العرب و العالم

واشنطن ولغز انعدام الأمن في الشرق الأوسط

شفقنا-في عام 1991 وجدت أمريكا نفسها بلا منافس حقيقي على الساحة الدولية وحاولت خلق وترسيخ النظام الأمريكي المنشود في العالم. وبدأت في المنطقة الحرب على أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة بحجة مكافحة الإرهاب، لكنها واصلت سياساتها العدوانية وهاجمت العراق عام 2003.

لفترة طويلة، كانت سياسات أمريكا في الشرق الأوسط تهدف إلى دعم وتقديم الاسناد الى الأنظمة الاستبدادية التي يمكن أن تحقق أهدافها نيابة عنها، ولكن عندما رأت نفسها دون منافس جدي على الساحة الدولية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي في هذه الحقبة، حاولت أن يكون لها حضور أكثر جدية في منطقة الشرق الأوسط

إن الحفاظ على الاستقرار، باعتباره المحور الأساسي لهذا النهج وتوجيه الشرق الأوسط نحو النظام الأمريكي الجديد، شكل البنية العامة للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. وحاولت أمريكا في ضوء قوتها العسكرية إلى تحويل الأعداء إلى أصدقاء، والأصدقاء إلى حلفاء جدد، واستبدال الحلفاء القدامى بحلفاء جدد. 

وهكذا، أدى الطموح لتغيير الشرق الأوسط وإنشاء نظام جديد إلى قيامها بمزيد من المغامرات. ولكن كلما أصبحت سياساتها غير فعالة، وبتكاليف باهظة، اشتدت هشاشة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. ولهذا السبب أصبح الباحثين والسياسيين متأكدين من فشل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

النزعة العسكرية 

تُعرف النزعة العسكرية في السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة بأنها أحد جذور المشكلة الأمنية في الشرق الأوسط. ومن الناحية الجيوسياسية، تقع منطقة الشرق الأوسط في الحسابات الاستراتيجية العالمية، ووجود موارد الطاقة في هذه المنطقة جعلها دائما تعاني من التوترات والصراعات بين القوى العظمى. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، قررت الولايات المتحدة، وبعد توسيع مظلتها الأمنية، القيام بعمل عسكري أولا بحجة الإرهاب في أفغانستان في جنوب آسيا عام 2001، ثم محاربة أسلحة الدمار الشامل ضد العراق في غرب آسيا عام 2003. إلا أن إحدى السياسات الأميركية منذ عهد بوش كانت صياغة الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد، الذي ضم أفغانستان والعراق.

بدأت أسس خطة الشرق الأوسط الكبير تتشكل مع غزو العراق للكويت عام 1990 واكتملت بأحداث 11 سبتمبر 2001 وبدء الاستراتيجيات الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط وخاصة العراق. وبناء على ذلك، وبعد هذه الأحداث، وبهدف خلق أسس سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية في المنطقة، اقترحت الولايات المتحدة الشرق الأوسط الكبير، الذي يضع في الاعتبار الأهداف التالية:

1-توفير الطاقة وتدفق النفط في المنطقة. 2-دفع ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط. 3-توفير وضمان مصالح إسرائيل. 4-مواجهة الإسلام السياسي تحت عنوان محاربة الإرهاب والأصولية. 5-مواجهة الدول التي تعارض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. 6-نشر الثقافة الأمريكية تحت عنوان خلق الديمقراطية واقتصاد السوق الحر في المنطقة.

تفاقم حالة انعدام الأمن

واعتبرت خطة الشرق الأوسط لتحديد استراتيجية وإطار مصالح أمريكا على المدى المتوسط ​​والبعيد في المنطقة، لكن دخول أمريكا إلى المنطقة لم يؤد فقط إلى تشكيل النظام والأمن الأمريكي المنشود، ولكن كما سيتبين في السطور التالية، فإن تأثيرات السياسة الخارجية الأميركية مرادفة لتفاقم حالة انعدام الأمن، في منطقة الشرق الأوسط. 

هذه التأثيرات هي: 1) نمو الإرهاب في الشرق الأوسط 2) التدخل في القضايا الداخلية للدول 3) صعود الإرهاب 4) دعم الحلفاء الإقليميين 5) خلق القطبية الثنائية في المنطقة 6) نمو النزعة العسكرية وتجارة الأسلحة 7) فرض خطط السلام.

ولكي نفهم بشكل كامل حالات انعدام الأمن في الشرق الأوسط، يتعين علينا أن نرجع الى الوراء قليلا. أي الاستعمار، واتفاقية سايكس بيكو (في الواقع، مؤتمرا سان ريمو والقاهرة اللذان أضفيا الطابع الرسمي على الحدود الجديدة)، وظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتحالف ابن سعود وعبد الوهاب، والنكبة الفلسطينية (الهجرة الجماعية للفلسطينيين عام 1948)، والانقلاب العسكري في مصر، وانتشار القومية الاشتراكية العربية باعتبارها الخطاب السياسي السائد، والثورة في إيران، وقضية تحرير فلسطين، وتصرفات صدام، والحرب الأهلية اللبنانية، ومشروع النهضة الإسلامية للمملكة العربية واغتيال السادات.

عدو عدوي صديقي 

وبطبيعة الحال، فإن نظام ما بعد الحرب الذي فرضه الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى خلق الظروف التي خلقت سلسلة من الأحداث والتي بمرور الوقت، وقعت المنطقة في مأزق أيديولوجي لمعارضة الغرب لتحديد مصيرها وشرعية سيادتها. 

فنهج الغرب تحت شعار “عدو عدوي صديقي” والعلاقات التي أدت إلى دعم طالبان في وقت مبكر ضد الاتحاد السوفيتي، والعراق ضد الثورة الإيرانية وغض الطرف عن تصرفات الحلفاء الأمنيين وكل ذلك في المنطقة يزيد من حدة هذه الأزمة الأمنية.

ويجب أن نضيف أن التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول أدت إلى تحريف مسار الحركات وفشل الربيع العربي ومحاولة تشكيل النظام المنشود، وهو ما تسبب في استمرار الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط. وإلى كل هذه الحالات يجب أن تضاف المشاكل الداخلية مثل: شكل النظام السياسي، والفقر، والفساد، والاقتصاد الريعي، وضعف المجتمع المدني، وضعف المساءلة. والاهم من هذا وذاك هو تأثير السياسات العدوانية والعسكرية الأمريكية على السلام في منطقة الشرق الأوسط.

والقضية الرئيسية هي أنه كلما زاد تدخل الولايات المتحدة في منطقة ما، زادت الاضطرابات هناك. وتنجم هذه القضية عن أهمية الدول، بمعنى آخر، على عكس أفغانستان، فإن سوريا والعراق دولتان تتمتعان بأهمية استراتيجية عالية من حيث تدفق النفط وتأثيره على الاقتصاد العالمي. إنها تؤثر على قدرة الولايات المتحدة على التنافس مع الصين وروسيا.

التهديدات المتطرفة 

إن نتيجة المزيد من التدخل الأمريكي لها تأثير جوهري على احتمال تزايد التهديدات المتطرفة والإرهابية ولذلك، يرى البعض أن التدخل الأميركي ربما جعل الوضع أسوأ. فقد أدى غزو أفغانستان والعراق، إلى جانب الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا والحرب التي تدعمها الولايات المتحدة في اليمن، إلى خلق الفوضى ومنح الجماعات المتمردة والإرهابية مساحة أكبر للعمل. 

كما أدت ضربات الطائرات بدون طيار وعمليات القتل المستهدف والوجود الأمريكي المستمر في هذه الأماكن إلى تأجيج الغضب والاستياء تجاه الولايات المتحدة وزيادة الدعاية الجهادية وجهود التجنيد.

هذا ويمكن القول إنه خلال الحرب الباردة، كانت المصالح الوطنية للولايات المتحدة تقوم على القضاء على الاتحاد السوفييتي، وتركزت على انتشار الرأسمالية والهيمنة الاقتصادية على أوروبا، وقد تحققت في الغالب في منطقة أوروبا الغربية.

 وبعد انهيار السوفيتي اعتبرت الشرق الأوسط، موقعا استراتيجيا للولايات المتحدة. لقد كانت حادثة 11 سبتمبر بمثابة ذريعة للولايات المتحدة لمتابعة أهداف سياستها الخارجية من خلال الاجراءات العسكرية من أجل تشكيل النظام المنشود باسم الشرق الأوسط الجديد.

تعرضت أفغانستان والعراق لهجمات عسكرية من الولايات المتحدة، لكن لم يمر وقت طويل قبل أن يكشف دخول هذه المنطقة عن عواقبه على الولايات المتحدة. وتسبب التورط الأمريكي في المنطقة في ارتفاع نفقات البلاد أعلى من التقديرات، فتكثفت سياسة دعم الحلفاء الإقليميين.

 وفي هذا الصدد، كان دعم أمريكا للسعودية مصحوبا بأهداف محددة، بما في ذلك استخدام هذا البلد لتحقيق مصالح أمريكا. وحاولت السياسة الخارجية الأمريكية ضمان أمن ومصالح الكيان الصهيوني، وإضعاف جبهة المقاومة التي تتمحور حول إيران، ومواجهة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

إن حالة عدم الأمان التي حدثت في المنطقة على غرار الدومينو بسبب فشل السياسات الأمريكية، رافقها تعزيز الفكر المتطرف، والهجمات العسكرية التي تشنها الدول على بعضها البعض، مثل الهجوم العسكري السعودي على البحرين واليمن، واللجوء إلى الحرب بالوكالة وتعزيز الإرهاب. 

فالولايات المتحدة لا تحتاج إلى شرق أوسط مستقر لدفع سياساتها، لكن الهدف الوحيد لها هو إثارة الاضطرابات ومن ثم إدارتها. وعلى هذا الأساس، وضعت الولايات المتحدة على جدول أعمالها تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة، ونمو تجارة الأسلحة، والرهاب من إيران، وفرض نماذج السلام، مما ساعد على تفاقم حالة انعدام الأمن. 

المصدر: ديبلماسي إيراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهایة

 

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-09-15 03:23:09
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من Beiruttime اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading