الدفاع و الامن

وول ستريت جورنال: لماذا تفتقر روسيا إلى الأسلحة “الذكية”

تتطلب الذخائر الموجهة بدقة شرائح متطورة ، ولطالما اعتمدت روسيا على نسخها أو تهريبها من الغرب بدلاً من تطويرها بمفردها.

في ظل التغيرات المتلاحقة التي تطرأ على الحرب الأوكرانية ومسارتها وبعد تراجعات على الجبهات وصفتها أوكرانيا بالخسائر الفادحة وأطلقت عليها موسكو انسحابات تكتيكية تساءلت صحيفة وول ستريت جورنال، عن السبب وراء افتقار روسيا للأسلحة “الذكية” الحديثة، مشيرة إلى أن الذخائر الموجهة بدقة تتطلب رقائق دقيقة متطورة، ولطالما اعتمدت موسكو على تهريبها من الغرب بدلًا من تطويرها بمفردها.

فيما أشارت الصحيفة إلى أن الجيش الروسي أخطأ مرارًا وتكرارًا خلال الأشهر السبعة منذ اقتحام جيوشه لأوكرانيا، ولكن إذا كان لابد من شرح الهجمات المضادة الناجحة لكييف بكلمة واحدة فقط، فستكون هذه الكلمة اختصارًا: “هيمارس”.

وزودت الولايات المتحدة الجيش الأوكراني حتى اليوم بـ16 راجمة من طراز هيمارس، وهذه الراجمات المثبتة على مدرعات خفيفة أدت دورًا مهمًا في نجاح الهجوم المضاد الذي شنته قوات كييف مؤخرًا ضد القوات الروسية.

وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الأربعاء 28 سبتمبر 2022، تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 1,1 مليار دولار على شكل طلبيات أسلحة من صناعة الدفاع الأمريكية.

وتهدف هذه الحزمة الجديدة إلى تعزيز دفاع البلاد على الأمدين المتوسط والطويل، وهي تتضمن بشكل خاص 18 راجمة صواريخ من طراز “هيمارس” التي تتميز بدقة الإصابة.

نظام متطور
وحسب وول ستريت جورنال، فإن نظام الصواريخ المدفعية عالي الحركة “هيمارس”، عبارة عن علبة محمولة على شاحنة مكونة من ستة صواريخ قادرة على إطلاق ضربات دقيقة ضد أهداف بعيدة عن الخطوط الروسية.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: إن الأنظمة التي قدمتها الولايات المتحدة “حولت مسار الحرب”، وهو ما أكده مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بأن هذه الصواريخ ضربت أكثر من 400 هدف “بتأثير مدمر”.

وبالفعل لتأكيد هذا التأثير، وصف أحد الصحفيين الروس، الوضع بعد مسح موقع مستودع ذخيرة أصابته صواريخ هيمارس بـ”المروع”.

وحسب الصحيفة، تستخدم روسيا الذخائر الدقيقة عندما تكون متاحة، لكنها اعتمدت أيضًا بشكل كبير على تشبع المواقع الأوكرانية بنيران المدفعية غير الموجهة، مشيرة إلى أن هذه التكتيكات أدت إلى تدمير مدن مثل ماريوبول، وسمحت لروسيا بتحقيق مكاسب بطيئة في المنطقة الشرقية المتنازع عليها بشدة والمعروفة باسم دونباس، ولكن منذ أن استقبلت أوكرانيا “هيمارس” من الولايات المتحدة، تمكنت من تنفيذ ضربات مستهدفة أكثر فاعلية بكثير من قذائف المدفعية الروسية العشوائية.

ويرجع محللو الدفاع الأمريكيون، عدم امتلاك دولة بحجم روسيا للأنظمة المتطورة (الذكية) في أسلحتها، إلى العقيدة العسكرية خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، مشيرين إلى أن 5٪ فقط من الذخائر التي استخدمتها روسيا في الحرب في سوريا كانت أسلحة ذكية.

وتمتلك موسكو -حسب الصحيفة- العديد من أنظمة الدقة في ترسانتها، لكن المخزونات قليلة، واستخبارات الاستهداف ضعيفة، ومن ثمّ تنشر القوات بانتظام ذخائر غير موجهة للمهام التي يمكن أن تنجزها الجيوش الغربية باستخدام تكنولوجيا أكثر تقدمًا.

وأشارت إلى أنه خلال السنوات الأخيرة من الانهيار الطويل للاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، كان الجنرال الروسي نيكولاي أوغاركوف، رئيس هيئة الأركان العامة السوفيتية، أول من أدرك أن تقنيات الحوسبة وأجهزة الاستشعار والاتصالات تعتبر ثورة في الحروب الحديثة.

وتوقع أوغاركوف، أن “الأنظمة القتالية طويلة المدى وعالية الدقة والموجهة، وآلات الطيران بدون طيار، وأنظمة التحكم الإلكترونية ستمثل تحولًا نوعيًا جديدًا في آلات الحرب العسكرية”.

وأمام ذلك، بينّت الصحيفة، أن صواريخ توماهوك الأمريكية وغيرها من قدرات الضربات الدقيقة بعيدة المدى أرعبت مخططي الدفاع السوفيتي، لدرجة أن بعض الجنرالات الروس تخوفوا من أن هذا التقدم الأمريكي المذهل (عسكريًا) قد يهدد حتى إمكانية استخدام الجيش السوفيتي لقدراته النووية.

ووفقًا للصحيفة، “فقد أثبتت الذخائر الأمريكية الدقيقة قيمتها في التسعينيات في ساحات القتال في البلقان وحروب أخرى، حيث استهدفت قوات الخصوم والبنية التحتية بدقة لا يوفرها سوى التوجيه بالليزر أو نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)”.

ومع ذلك، بعد مرور نحو 30 عامًا، تحد مشاكل التصنيع -العميقة الجذور- من إنتاج روسيا للأسلحة المتقدمة، بحيث يعتقد المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون أن روسيا قد استخدمت بالفعل جزءًا كبيرًا من ذخائرها الدقيقة، وتكافح فعليًا من أجل إنتاج المزيد بسرعة أكبر.

أصل المشكلة

وحول أصل المشكلة، أشارت وول ستريت جورنال، إلى أن مشاكل التصنيع في روسيا تعود إلى السنوات الأولى من الحرب الباردة، عندما دفعت الحاجة إلى وضع أجهزة كمبيوتر توجيه مصغرة في مقدمة الصواريخ، حتى اختراع أمريكا أول شريحة كمبيوتر، والتي دمجت الدوائر في قطعة واحدة من السيليكون.

وبينّت أن أول مُستخدم للرقائق في الولايات المتحدة كان سلاح الجو، إذ تم وضعها في الصاروخ الباليستي العابر للقارات مينيوتمان 2، كما استخدمته وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، بوضعه في جهاز الكمبيوتر الخاص بتوجيه مركبة الفضاء “أبولو”.

وحسب الصحيفة، “مثل البنتاغون، أدرك الكرملين أن الرقائق ستحول أنظمة الأسلحة من خلال تحسين التوجيه والاتصالات، ومن ثمّ فإنه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وعد مستشارو الزعيم السوفيتي السابق نيكيتا خروتشوف بأن يتم استخدام أجهزة أشباه الموصلات قريبًا في المركبات الفضائية والطائرات، وأيضًا في “الأنظمة الصاروخية النووية”.

لذلك قام السوفييت بضخّ الأموال في صناعة الإلكترونيات الدفاعية، وبناء مدينة جديدة بالكامل خارج موسكو تسمى زيلينوجراد، والتي كانت مكرسة لتصميم الرقائق للجيش السوفيتي.

وفيما أعلن خروتشوف حينها أن “الإلكترونيات الدقيقة باتت مستقبل البلاد”، توصل بالفعل المهندسون السوفييت إلى صناعة أول شريحة بعد أربع سنوات فقط من الولايات المتحدة.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن صناعة الرقائق في الكرملين، مثلها مثل برنامج الأسلحة النووية، استفادت من دعم الجواسيس، إذ ساعد اثنان من المهندسين الكهربائيين الأمريكيين “المنشقين”، هما (ألفريد سارانت وجويل بار)، الاتحاد السوفيتي في بناء أجهزة كمبيوتر متطورة.

لكن أيضًا نقل هذه التكنولوجيا لم يتوقف عند (المنشقين الأمريكيين)، وإنما الأهم -حسب الصحيفة- كانت الدروس التي اكتسبها العلماء السوفييت بشكل قانوني من وادي السيليكون بالولايات المتحدة، وهي المنطقة المعنية بصناعة أشباه الموصلات.

ففي خريف عام 1959 -عندما كان مبتكر الرقائق الرائد شيرمان فيرتشايلد يخترع أول شريحة لأشباه الموصلات في بالو ألتو بكاليفورنيا- التحق طالب التبادل السوفيتي، أناتولي تروتكو، بجامعة ستانفورد لدراسة هندسة أشباه الموصلات مع أساتذة حائزين على جائزة نوبل، قبل أن يعود إلى موسكو لتشغيل منشأة سوفييتية مهمة لأشباه الموصلات.

في نفس الوقت تقريبًا، عاد بوريس مالين، طالب التبادل السوفيتي الآخر، من عام دراسي في بنسلفانيا، بعد أن حصل على دائرة متكاملة من شركة تكساس إنسترومنتس، والتي تطور وتسوق أشباه الموصلات وتكنولوجيا الحاسوب، لتصنيع هذه التكنولوجيا، قبل أن يعمل على نسخها وتقديمها للقيادات في بلاده للاستفادة منها.

منذ ذلك الحين -حسب الصحيفة- سادت عقلية “نسخ” صناعة الرقائق الأمريكية داخل روسيا، إذ إنه خلال الحرب الباردة، تم اكتشاف داخل المعدات العسكرية السوفيتية مرارًا وتكرارًا نُسخ طبق الأصل من رقائق آنتيل أو تكساس إنسترومنتس الأمريكية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من استخدام النظام المتري، إلا أن السوفييت كانوا يمتلكون أدوات لصنع الرقائق تقاس بالبوصة، لتسهيل نسخ الرقائق الأمريكية.

وحتى اليوم، تمتلئ أنظمة الأسلحة الروسية بالرقائق الغربية، إذ يعتمد الصاروخ الروسي الموجه بالأقمار الصناعية (9 إم 549)، والذي يتم إطلاقه من نظام شبيه بنظام هيمارس يسمى تورنادو إس، على رقائق مهربة تنتجها شركات أمريكية مثل التيرا و سبريس سيميكونداكتر، وفقًا لبحث جديد من المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية البريطاني.

ويُعتقد أن هذه الصواريخ سقطت على بُعد حوالي 10 ياردات من هدفها، مما يجعلها أقل دقة من صواريخ هيمارس، ولكنها أفضل من نيران المدفعية غير الموجهة.

ومع ذلك، ليس لدى روسيا ما يكفي منها، فقد تصنع ربما 100-200 فقط كل عام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من الصواريخ تتطلب رقائق ومكونات أخرى يجب الحصول عليها، غالبًا بشكل غير قانوني، من الخارج.

وخلصت وول ستريت جورنال تقريرها، بالقول: “تركت القدرة الإنتاجية المحدودة لصناعة الدفاع الروسية جيشها بمستويات منخفضة بشكل خطير من الذخائر الدقيقة”، وهو ما جعل المخابرات الأوكرانية تعتقد أن روسيا أطلقت بالفعل 55٪ من مخزونها الكامل من الصواريخ الموجهة، مشيرة إلى أنه بسبب محدودية إمدادات الصواريخ، تستخدم القوات الروسية أسلحة مضادة للطائرات ضد أهداف برية في أوكرانيا.

وأضافت: “ربما بدت سرقة التكنولوجيا الأمريكية للأسلحة الروسية في يوم من الأيام ذكية وفعّالة، لكنها تركت لروسيا قاعدة صناعية عسكرية تعتمد طاقتها الإنتاجية بشكل كبير على الوصول إلى الابتكار الغربي”.

المصدر
الكاتب:Nourddine
الموقع : www.defense-arabic.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2022-10-03 12:56:51
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading