عين على العدو

يديعوت احرونوت: حروب هرتسي هليفي

يديعوت احرونوت 21/3/2025، ناحوم برنياع: حروب هرتسي هليفي

فجأة ينهض إنسان في الصباح ليكون من كان.  هذا الانتقال مركب لكل انسان لكنه صعب جدا على رئيس أركان أدار أطول حروب إسرائيل بلا تاريخ نهاية بعد فشل ذريع تبعا لمستوى سياسي سام، متآمر عليه وعلى الجيش. رسميا، هرتسي هليفي ليس مدنيا بعد – امامه سنة تكيف طويلة، لكنه خلع البزة. الأيام الأولى في الحياة المدنية كرسها لزيارات الى بيوت عائلات ثكلى والعمل في مكتب وضع تحت تصرفه، بعيد عن الكريا. وهو يعمل على استكمال تحقيقات الحرب. ويوجد ما يجب أن يستكمل. 

من شاهده يركض في الاماسي في دروب الصندوق القومي قرب بلدته رأى شخصا ازيح عبء ثقيل عن كتفيه. الإسرائيليون يعرفون هليفي مكفهر الوجه، المسؤول الأكثر رشدا، الراشد الأكثر مسؤولية، مع السترة الواقية الثقيلة، الحزام، السلاح وعصبة الضباط مخفيي الوجوه يفصلون بينه وبين الكاميرا. اما هليفي المدني، بالحذاء الرياضي وبالقميص قصير الكم فهو رجل آخر، خفيق ورشيق. دفعة واحدة أزال الكثير من السنين من 57 سنواته. 

الكتب التي ستكتب عن الحرب سترى فيه شخصية تراجيدية. اما هو فمشكوك أن يرى نفسه هكذا. في اثناء الحرب فكرت غير قليل به وبددو، دافيد العازار، رئيس اركان حرب يوم الغفران. ددو تحمل مسؤولية مركزية عن الإخفاق، لكنه انتعش بسرعة، ادار الحرب جيدا وانهى 101 كيلو متر عن القاهرة و 40 كيلو متر عن دمشق في الطريق الى اتفاق سلام تاريخي مع مصر. بسبب توصيات لجنة اغرانات اضطر للاستقالة. التقيته في الحياة المدنية، قلق من المظاهرات ضده، ثائر عن أن اللجنة أطاحت به لكنها تجاوزت المستوى السياسي. بعد سنتين ونصف من الاستقالة، مات بشكل مفاجيء بسكتة قلبية ولم يكن الا ابن 50. عادة الاعتبار الجماهيرية لم تأتي الا بعد موته. 

اما هليفي فنال (تقريبا) إعادة اعتبار في اثناء الحرب. هو يستقبل بمحبة في كل مكان، بما في ذلك في الشارع. هذا يحصل رغم الإخفاق ورغم أن آلة السم لنتنياهو وكاتس جعلته هو وقادة الجيش هدفا مفضلا. من السهل ان نفهم لماذا يعانق معارضو الحكومة هليفي: الالة التي تنتج السم تنتج أيضا رد الفعل المضاد. المقت تجاه نتنياهو يوازن الحساب على الإخفاق. 

هو يحظى بالعناق أيضا حين يلتقي مع أناس الصهيونية الدينية، الذين هم الجمهور المستهدف من القناة 14 وامثالها. وهو يتحدث معهم كما يتحدث مع الجميع – مثل المعلم، المربي، الأخ الكبير. بعد 7 أكتوبر، وفي ظل الغضب على الإخفاق، الحزن على الضحايا والقلق على حياة المخطوفين والمقاتلين كانت هذه هي النبرة الصحيحة. ثمة لحظات في حياة الدولة لا تجدي فيها لا فرحة النصر ولا قصائد التمجيد. 

في فرحة التوراة 2024، يوم السنة الأولى على الكارثة، اختار هليفي الا يتوجه الى الكنيس في بلدته. نزل الى الجنوب، الى لقاء عمل مع قائد المنطقة يرون فينكلمان. بعدها سافر الى كنيست في علوين، كيبوتس ديني ترك لمصيره وتعرض للهجوم في 7 أكتوبر. طلب المصلون منه ان يسعد الى التوراة فاستجاب. وأضاف وتلا مقطعا كان ابوه الراحل مومو هليفي يقرأه كل سنة في فرحة التوارة. فوجيء المصلون: آلة السم لم تروي لهم بانه ضالع في السنوات ومحب للتقاليد. 

لكن يوجد ثمن أيضا للاسلوب وللطابع. الان، حين يكون في الكريا رئيس اركان آخر، مع أسلوب آخر، يطل النقد من جديد: هليفي كان معقدا اكثر مما ينبغي، مترددا اكثر مما ينبغي، لم يبدِ ما يكفي من الزعامة، لا حيال مرؤوسيه ولا حيال نتنياهو. 

عندما طرق نتنياهو على الطاولة

عندما عرض هليفي على الكابنت عمليات الجيش الإسرائيلي في الـ 48 ساعة الأولى من الحرب، أشار الى أن سلاح الجو هاجم 1500 هدف في غزة. هذا عدد هائل يتطلب قدرات استخبارية وعملياتية استثنائية، انفجر نتنياهو غاضبا، صرخ وطرق على الطاولة. “لماذا ليس 5 الاف؟” قال لرئيس الأركان: “ليس لدي 5 الاف هدف مقر”. “لا يهمني الأهداف”، أجاب نتنياهو. “انزل بيوت، اقصف بكل ما يوجد”. لقد كان هذا الانفجار جزءُ مما وصف بعد ذلك على لسان غادي آيزنكوت وآخرين كانهيار في أداء نتنياهو في أيام الحرب الأولى. الضباط الذين التقيتهم في تلك الأيام رووا بان نتنياهو فقد تفكره. لا غرو أنه يرفض اليوم كل تحقيق. مشكلته ليست القاضي عميت. حتى لو ترأست غالي غوتليف لجنة التحقيق، فانها لا يمكنها أن تمنع الشهود الادلاء بشهاداتهم. 

الجيش شعر بانه وحيدا لاحقا أيضا. أعضاء الكابنت تقاتلوا فيما بينهم: لم يوفروا لهيئة الأركان رؤيا متبلورة، استراتيجية، زعامة. الجدال في 11 أكتوبر 2023 على الحملة في لبنان بشر بما سيأتي: الجيش، الشباك، الموساد وزير الدفاع غالنت ايدوا؛ غانتس، آيزنكوت والامريكيون عارضوا. نتنياهو لم يرغب في التنفيذ لكنه خاف من أخذ المسؤولية، من التسجيل في البروتوكول. عاد نتنياهو وغالنت ليتقاتلا على الحملة في جلسات الكابنت في الأشهر التالية، امام العيون المندهشة لرئيس الأركان والجنرالات. لم يكونا قادرين على التوقف عن الخصام. الحملة خرجت الى حيز التنفيذ في توقيت آخر، في ظروف أخرى بنتائج أذهلت العالم. من كان محقا؟ الآراء، بما في ذلك في الجيش لا تزال منقسمة. توجد وجاهة هنا وهناك. 

عمليا، ليس الكابنت هو من أدار الحرب، بل الجيش. كان هذا هو إحساس لابسي البزات. الجيش بادر، خطط، نفذ. نتنياهو أخذ حظوة على كل خطوة نجحت وهرب من المسؤولية عن كل خطوة فشلت. أحيانا تباهى بانه كان مشاركا في كل التفاصيل، أحيانا ادعى بانهم لم يرووا له شيئا، كله حسب النتيجة. 

الازمة بين نتنياهو وهليفي بدأت بالانقلاب النظامي. طيارون ومساعدو طيارين هددوا بانه اذا ما اجيزت القوانين، فهم سيتوقفون عن التطوع. وزراء الحكومة ضغطوا باتجاه تنحية جماعية. “اذهبوا الى الجحيم، سنتدبر امرنا بدونكم”، هتف وزير الاعلام كرعي، واد من كثيرين. اما هليفي فقرر التصرف بشكل مختلف. “كن يسارا نابذا ويمينا جاذبا”، اقتبس عن هيئة القضاة الدينية “سنهادرين”. من يهدد بالتوقف عن التطوع، يحتاج الى اقناع وليس الى تنحية، اعتقد. في 7 أكتوبر كلهم امتثلوا للخدمة.

في حركة الاحتجاج هناك من هو مقتنع – العميد المتقاعد اساف اغمون مثلا – بان هليفي نجح اكثر مما ينبغي. أولئك الطيارين الذين اعلنوا بانهم فقدوا الثقة بحكومة نتنياهو قبل الحرب، لم يسمعوا همسة حين قتل في غزة في قصفهم عشرات الاف غير المشاركين، حين عرقل نتنياهو المرة تلو الأخرى صفقة المخطوفين واستأنف الانقلاب النظامي بقوة. احتجاج الطيارين ذاب في الحرب. هذا الأسبوع وقف لأول مرة مساعد طيار، متطوع في خدمة الاحتياط، في سربه واعلن انه سيرفض. فاطيح به فورا.

الامتثال الكامل للخدمة لم يسكت آلة السم. هليفي التقى في اثناء الحرب مع رؤساء المجالس في الجنوب. احدهم قال ان الطيارين لم يقصفوا في غزة في صباح 7 أكتوبر لانهم فضلوا حياة رجال حماس على حياة اليهود. هليفي صدم. ونسب القول الى غسيل الدماغ في قنوات الدعاية. 

في قيساريا وفي ميامي أيضا، صنفوا هليفي كـكبلاني. جنون الاضطهاد فعل فعله. لكن رفض هليفي تنحية الطيارين لم يكن السبب المركزي للمواجهة التي احتدمت بينه وبين نتنياهو. كل شيء شخصي، لكن نزعة الوجود تحسم. عندما تكون السكين على الرقبة وجدعون ساعر كوزير أيضا ومحمود عباس أيضا؛ العدو يصبح حبيبا، والحبيب يصبح عدوا. فور انتعاشه، أجرى نتنياهو اختياره: هو سيلقي بكل المسؤولية عن الإخفاق على قيادة الجيش والشباك. هم سيسقطون وهو سينجو. والالة ستعرف كيف تنتج التفريق: جنودنا ابطال؛ قادتهم خونة. الحقائق لا تهم ولا الأفعال او القصورات. يجب ان تسوق للجمهور قصة مؤامرة ظلامية، تتقاسمها قيادة الجيش مع القضاة، النواب العامين، الصحافيين، مطوري التكنولوجيا العليا، اخوة السلاح، عائلات المخطوفين. هم الدولة العميقة التي قامت علينا لافنائنا. ترامب ما كان ليصيغ هذا على نحو افضل.

هليفي قال منذ البداية ان الحرب ستكون طويلة: لم يقدر كم. شريحة القيادة حوله هددت بالتفكك: ضباط كبار انفجروا بقاء. عميد في احدى الفرق روى لي بعد بضعة أيام من 7 أكتوبر بانه ذهب الى جنازة صديق قتل في احد الكيبوتسات وخجل أن يأتي بالبزة العسكرية. لهذه الدرجة أثقلت عليه احاسيس الذنب، الخجل.

في ضوء فقدان صلاحيات المستوى فوقه، فان الخراب الرهيب الذي هبط على الاف العائلات والصدمة على الضباط الكبار، اختار أن يبقى. اذا استقال، سيسوء الوضع، كما افترض. اعتزال رئيس اركان في ذروة الحرب سيفاقم الفوضى في الجيش واليأس في الجمهور. في نظرة الى الوراء يمكن أن نرى ما حصل لحزب الله وحماس بعد أن صفى الجيش الإسرائيلي زعماءهم العسكريين.

فينكلمان سار برأس واحدة معه. فقد آمنا بانهما سيجدا في داخلهما عظمة الروح. الحصانة التي اظهراها ستعزز الاخرين. الخط الذي تبنياه تجاه كل الضباط الذين كانوا مشاركين مباشرة في الإخفاق، من رئيس أمان فما دون كان يقول ببساطة: حتى انتهاء التحقيقات انتم مدعوون لن تبقوا. اذا قررتم الاعتزال قبل ذلك فافعلوا هذا بالتوقيت وفي الطريقة التي ترونها مناسبة لكم. 

ظاهرا، وضعت الحرب حدا أيضا لمفهوم الهدوء بكل ثمن. مفهوم طويل السنين تشارك فيه المستويان السياسي والعسكري وأدى الى تدفق المال القطري الى حماس وسيطرة حزب الله على جنوب لبنان. هليفي وصف في احدى محاضراته هذه السياسة بالمثال التالي: مسمار يبرز من الأرضية. يعرض سكان البيت للخطر. بدلا من اقتلاعه، نحبذ التعايش معه. 

في تلخيص ولايته لا يوجد بعد اليوم احتواء، لا في غزة، لا في لبنان، لا في سوريا. الجيش الإسرائيلي لن يسمح بعد اليوم بجيش إرهاب ان يتعاظم على حدود إسرائيل. وهو يعمل بقوة حتى لو امتنع عن الهجوم. هذه هي تعليمات المستوى السياسي وهو أيضا الدرس الذي استخلصه الجيش. الاختبار سيكون في المدى البعيد، اما الظروف المتغيرة، امام الحاجة الأساسية للمواطنين، للهدوء والاستقرار. الهدوء ليس كلمة نابية: هو مقدر حيوي لمجتمع يتطلع للحياة الطبيعية. 

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-21 15:25:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى