صحافة

دور الشباب الفلسطيني والعربي المقاوم خارج فلسطين في دعم النضال ضد الاحتلال

جعفر خضّور

– لعل أوّل ما تبادر لذهني عند الكتابة في هذا المحور ( محور الدور ) هو إمكانية المقاربة بين الدور الفعلي للشباب العربي عموماً وللشباب الفلسطيني بالأخص مع الدور المفترض أن يكون فعلياً رغم المفارقات العديدة في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة، والتي تختلف من مجتمعٍ لآخر وتؤثر وتتأثر فيه، وتحتّم هذه المقاربة الانطلاق من عنوان رئيس يشكّل مدماك الصراع – وإن لم يكن الأوحد – ألا وهو العنوان الثقافي.

وإنني هنا استرشدُ بما قاله الاشتباكي المثقف باسل الأعرج: “حرّر عقلك واهدم صنماً تنتهي الحرب عندما يهزم العقل”. وهو ما جعلني حقيقةً وبعد بحثٍ طويلٍ ومعمّق أن اخلُصَ لاستنتاجٍ هامٍ يقول: “إن العرب لم يُهزموا لقوة “إسرائيل” بل لضعفهم وفي مقدمته الثقافي”؛ إذ هم رأوا في الاستكانة للعدو ومهادنته حفاظ على الذات والوجود وهو أمرٌ وثيق العرى مع خضوعهم لهيمنة القطب الواحد الذي يمثّل صورةً موازيةً للمشروع الصهيوني.

من هذا المنطلق، كان لا بد من صحوة تُغيّر هذا الواقع المأزوم والسوداوي الذي تصدّر مشهده أصحاب نظرية “الاستراتيجيّة الواقعيّة” و اتباع “سلام الاستسلام”.
فكانت الثورة الإسلامية الإيرانية المظفّرة الأجدر بإحداث الزلزال في المنطقة والإقليم وكانت سوريا الأوحد تقريباً التي أدركت أهمية علاقاتها مع إيران الثورة فعملت على تحصينها وتطويرها، ثم اكتشف الآخرون لاحقاً عمق رؤيتها.

وها نحن اليوم في رحاب يوم الجهاد الأكبر يوم القدس العالمي الأطهر والذي هو إحدى ثمرات الثورة التي استشرفت بطبيعة الحال أفق المستقبل وانبأت بانهيار المنظومة الاشتراكية قبل أن يُهيمن القطب الواحد بزعامة أميركا وأكّدت على نشق الأمة لنسيم الإسلام الذي تعرّض وفي مراحل نشوئية حساسة لكثير من الحملات التشويهيّة واستخدم أيضاً كرأس حربة في معارك لاحقة كجزء من حرب القطب الواحد بثقافاته و( قيمه) المعصرنة بما يخدم في عمقه الكيان الغاصب.

وبما أن حديثنا عن الدور فإننا لا يمكن أن نفصل طبيعته عمّا يعطي الفعل مرتبة الدور، وما يعطيه ابتداءً المرتبة المذكورة الثقافة التي تتواجد معها وإلى جانبها علاقة عضوية تربط بين تغييرين، التغير الاجتماعي و الآخر الثقافي وهي علاقة تفاعلية تكاملية، ومن هنا يتضح لنا خطر “الأسـرلة” كون ديدن عملها هو الوصول لهذا التغيير الذي يستتبع تغييراً ثقافياً ومفصل التغيير هو الاعتراف بالكيان الصهيوني كحالةٍ قائمةٍ من الصعب كسرها، والحل الوحيد لذلك هو التعايش معها – كأبعد تقدير – بعد أن حوّلَ ( الكيان الصهيوني ) بخططه العيش العربي المشترك إلى تعايش، ومن هنا تتأتى أهمية ثقافة المقاومة بوصفها هوية محور المقاومة من كونها تبيّن الدور الداعم للنضال ضد الاحتلال ليس عسكرياً فحسب، بل في جبهات عدّة.

كون مقدّمات اتفاقات التركيع والذل لم تجعل الطرف المُفاوِض يخرج من دائرة الصراع ونفي وجوده أصلاً، بل نقله لخانة الطرف المُذعَن عبر الدخول لنسيج مجتمعه الذي يُراد له وبه أن يُعيدَ تكوين المفاهيم والقيم والقناعات والمواقف على الصعيدين الفردي والجمعي، واستحضر هنا ما جاء في اجتماع بغرناطة عام ١٩٩٣ : “إن أي سلام لا تقبله الثقافة ولا تسوغه وتروج له سيبقى محنطاً في المكاتب الرسمية ومهدداً بالاستمرار”. ذلك يعني أن العدو يسخر الثقافة لخدمة السياسة والسياسة بدورها قائمة إيديولوجياً على القتل والقمع والتشريد وارتكاب أفظع الجرائم التي عرفتها البشريّة، وتتفق لحد ما نظرة الصهيوني للثقافة مع نظرة المجتمع الصناعي الغربي، ذلك أنّه رأى التطور الصناعي والتنمية ثقافة بحد ذاتها وليس انعكاساً لثقافة مجتمعها !!

يتركز دور شبابنا ليكون داعماً في مسيرة النضال الطويلة التي قدّمت شهداء وجرحى وأسرى وتضحيات جسام، في بناء شخصيته النموذجية بعيداً عن القولبة العصرية الغربيّة، التي تنمّط فكر الشاب العربي وترمي به في غياهب نزعته الشهوانية الغريزية وتغزو عقله الغضّ بأسنانٍ من حديد، وتلهيه بأولويات معيشية عن أساسيات مصيرية، إضافةٍ لإدراكه الواع جداً في ضرورة كسب الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني، عبر رفض كل ما هو عدو وتبنّي كل ما هو مقاوم في التركيب والبنية والعمل.

وحقيقة الأمر، أن محور المقاومة استطاع أن يحقق نقلة نوعية في هذا الإطار، تجسّدت في أن جعل من نفسه وببعض مفرداته واقعٌ متجذّرٌ في كيان الأمة ولم يقتصر على العامل العسكري بل دخل في النسيج الثقافي والاجتماعي والسياسي وتجاوز حدود المذهبية والمناطقية، وأدلل مثال على ذلك المقاومة الإسلامية في لبنان التي حققت عاملين أساسيين
سواء عبر التكوّن النظري في البرامج و الخطط، أو بالمسار العملي الجهادي ما أعطاها قابلية الاستمرار بثبات وأكدت التجارب القاسية التي مرّت فيها صحة قولنا.

يمكن القول اليوم، أن المقاومة هي أناة الحق الخارجيّة، توأمان لا ينفصلان، تتمظهر أهمية ثقافتها بقاعدة أساسية تضبط تفاصيل عملها، وتقول القاعدة:

“إن الكيان الصهيوني يشكل خطر كبير على فلسطين والمنطقة، ويجب مواجهته ورفضه ومقاومته، والتعاطي مع كل مرحلة بحسب مستلزماتها، على قاعدة رفض تشريع الاحتلال واستمرار مقاومته كأصل”.

نجح محور المقاومة في أن يكون إطاراً فاعلاً لحشد الطاقات وتوزيع الأدوار وإنجاز تجربة عملية في ساحة الجهاد وهو ما أعطاه حصانة التماسك والصمود أمام التحديات وإن الأداء المقاوم تراكمي لا تتحقق نتائجه بجولة أو جولات، والمقاوم في المكمن أو المواجهة هو مشروع شهيد.

ربطاً بالمقاومة كفكرة وهوية ونهج وبما أنها ولدت من رحم رد الفعل على الفعل وكجزء رئيس من التطلّع للحرية والتحرر، يبرز سؤالٌ هام مفاده: هل ثقافتها هي ضرورة مرحلية أم إرث تاريخيّ؟!
بالطبع، جواب السؤال موجود في فلسطين كنبض للمقاومة، عند شعبها الذي يخوض معركة الإثبات في وجه النفي، فينفي النفي، وثقافة المقاومة وبما لا يقبل مجالاً للشك هي التي شكلت حاضن الانتصارات الكبيرة، وبالتالي لا يمكن أن نقول أنها لضرورة مرحليّة، بل إرث تاريخيّ، ولو كانت مرحليّة لتأثرت بعوامل مراحل الصّراع المتطورة وجثت على ركابها، إلا أنها تزايدت توهّجاً وتعددت أساليبها، مستغلة عوامل الضعف تارةً والقوة تارةً أخرى وسخّرتها لصالحها، فهي ثقافة جامعة لأي ثقافة تواجه العدو وفي مقدمتها المقاومة بالسلاح.

يوفّر هذا اليوم المبارك بما يُحيط فيه من هالةٍ قدسيّةٍ الفرصة لتجديد التأكيد على عدالة القضيّة الفلسطينيّة واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ وعلى رأسها حق العودة، كما أنّه يومٌ لتجديد عهد من وفى لفلسطين وما زال، وهو يومٌ لاستنهاضِ الهِمم والتقاء السّواعد على طريق تحرير الأرض المقدسة وما حولها، كونه اليوم الفصيل بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل أينما كانوا، ففلسطين أصل الحكاية ومفتاح بوابة التّاريخ، ومتن النص المُقاوِم.

تشهد الساحة الدولية بكل فواعلها عصراً جديداً يلمّح لأفول الهيمنة الأميركية في منطقتنا، وهو ما تبدّى لكل من يقرأ وثيقة السياسة الخارجية الروسية من جهة، والحراك الصيني المُصالح بين إيران والسعودية،
كل هذه التحرّكات وبما يتسق مع كل دولة تؤكد أن مشهداً جديداً قيد النضوج وهو ما سيجعل الكيان المؤقت في قلق دائم وهروب نحو الأمام وهو ما ظهر في سلوكه عقب اتفاقات “التطبيع”، ما يعني أننا مقبلين على وقت لن يكون هناك جدوى من حصار محور المقاومة والساحة اليمنية خير مثال يستشهد فيه.

من الطبيعي أن تتقاطع المصالح مع الرؤية في مثل العلاقات بين الدول، ومن الطبيعي أن يحقق كل طرف أهدافه من هذه العلاقات فلا تضارب بينهما عندما تكون مبنية على قاعدة الاستقلال، والانطباع هنا يكون بأن تُحتسب القدرة الأضعف في دائرة مصلحة القدرة الأقوى، يُشعِر وكأن الأضعف مُسخّر للأقوى، وهذا الأمر يصح فيما لو كانت الإدارة المباشرة للأقوى، وكان التنفيذ للقوة الأضعف، ولا يصح عندما يتحقق ما يريده الطرفان على وجه الاستقلال.

المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-04-14 18:07:21
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى